ويجهد السامع في فهم المراد من الكلام. ومثاله قول الفرزدق يمدح إبراهيم بن هشام المخزومي، خال هشام بن عبد الملك بن مروان، يقول:

وما مثله في الناس إلا مملكًا ... أبو أمه حي أبوه يقاربه

يريد أن يقول: وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملكًا؛ يعني ملكًا، أبو أمه أبوه، فالمعنى الذي أراد الفرزدق أن يثبته للممدوح بسيط جدًّا، وهو أن هذا الممدوح لا يشبهه أحد على الإطلاق في فضائله إلا ابن أخته هشام بن عبد الملك، وهو بذلك يمدح الاثنين معًا، ولكن الفرزدق تعسف في القول حين أسرف في ارتكاب هذه الضرورات التي أدت بالتالي إلى خفاء المعنى المراد، وذلك لعدم ترتيب الألفاظ في الذكر على موجب ترتيب المعاني في النفس. ومع أن كلًّا من هذه المخالفات في نظم الكلام جائز باتفاق النحويين إلا أن اجتماعها على هذا النحو قد أورث الكلام تعقيدًا بحيث لا يفهم مغزاه من لا يعلم قصته، فقد فصل الشاعر بين المبتدأ "أبو أمه" والخبر "أبوه" بأجنبي عنهما وهو "حي" كما فصل بين الموصوف حي وصفته يقاربه بأجنبي، وهو "أبوه". كذلك فصل بين البدل "حي" والمبدل منه مثله بكلام كثير، وقدم المستثنى "مملكًا" على المستثنى منه "حي" فازداد البيت تعقيدًا حتى ضرب به المثل في تعسف اللفظ، كما يقول عبد القاهر الجرجاني في (أسرار البلاغة).

ولا يكاد يخلو كتاب من كتب البلاغة من ذكر هذا البيت شاهدًا للتعقيد اللفظي، وأيًّا ما قيل في البيت، فالبيت غير فصيح لما فيه من التعقيد اللفظي، ومن أمثلة هذا التعقيد اللفظي قول الفرزدق أيضًا:

إلى ملكٍ ما أمه من محارب ... أبوه ولا كانت كليب تصاهره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015