ولذا كان قولنا: ما زهير إلا شاعر، أبلغ في وصفه بالشاعرية من قولنا: ما شاعر إلا زهير، أو بمعنى آخر: يكون قصر الموصوف على الصفة أبلغ وأكمل وأقوى في اتصاف الموصوف بتلك الصفة، من قصر الصفة على الموصوف؛ لاحتمال كون هذه الصفة التي قصرت على الموصوف دون المستوى الأمثل؛ إذ لم تصل إلى حد الكمال، كل ما هنالك أنها وُجدت في زهير دون غيره من الناس، وكما قلنا: فالمراد بالصفة الصفة المعنوية، التي هي معنى قائم بغيره، كما أن المراد بالموصوف ما قام به غيره وإن كان هو في نفسه صفة.
وقد نظر البلاغيون في جملة القصر ووضعوا لها ضوابط تعينك على تحديد كلٍّ من الصفة والموصوف؛ حيث ذكروا أن القصر إذا وقع بين ركني الجملة الاسمية فإن قصر المبتدأ على الخبر يكون من قصر الموصوف على الصفة، كقولك مثلا: ما زيد إلا أخوك، وإنما محمد كاتب، وقوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (الحديد: 20) وقولك: إنما زيد في الدار، وما الجود إلا أن تجود بالنفس، إلا إذا كان الخبر اسمًا جامدًا والمبتدأ مشتقًّا، فإن القصر يكون من قصر الصفة على الموصوف، كقولك: ما الكاتب إلا زيد، وما القائم إلا عمرو؛ لأنك أردت الحكم على الكاتب بأنه زيد وعلى القائم بأنه عمرو، فالكاتب مبتدأ خبره زيد والقائم مبتدأ خبره عمرو، والقصر قصر صفة على موصوف.
وقصر الخبر على المبتدأ مِن قصر الصفة على الموصوف، كقوله تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} (المائدة: 99) وقوله عز وجل: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} (الرعد: 40) فقد قُصرت مهمة الرسول على البلاغ قصر صفة على موصوف، أما قوله: {وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} فهو قصر للمبتدأ وهو {الْحِسَابُ} على الخبر وهو {وَعَلَيْنَا} قصر موصوف على صفة قصرًا حقيقيًّا تحقيقيًّا، وإذا