ومنه قول دريد بن الصمة:
وهل أنا إلا من غُزيّة إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد
حيث قصر الشاعر نفسه على كونه من تلك القبيلة لا يتعداه إلى غيرها من القبائل، فهو قصر حقيقي تحقيقي، كذلك قول شوقي:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فقد قصر الأمم على الأخلاق قصر موصوف على صفة قصرًا حقيقيًا ادعائيًّا؛ لأن هناك أمورًا كثيرة تكون بها الأمم كالقوة والمال والرقي والحضارة وغير ذلك، ولكن الشاعر لم يعتد بها وجعل الأمم مقصورةً على صفة الأخلاق لا تتعداها إلى غيرها، فإذا وُجدت الأخلاق وسادت كانت الأمم، وإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. ومنه قول الآخر:
هل الجود إلا أن تجود بأنفس ... على كل ماضِ الشفرتين صقيل
حيث قصر الجود على الجود بالأنفس قصر موصوف على صفة قصرًا حقيقيًا ادعائيًّا، فالشاعر لم يعتد بما عدا الأنفس مما يمكن أن يُبذل كالمال والرأي والجهد، إلى غير ذلك من ضروب البذل، وجعل الجود مقصورًا على كونه بالأنفس فقط؛ إذ الجود بالنفس أسمى غاية الجود، ولا يخفى عليك أن قصر الموصوف على الصفة يفيد بلوغ الموصوف الغاية ووصوله حد النهاية في تلك الصفة، فقولك: ما زهير إلا شاعر، يفيد كمال المبالغة في شاعريته، وأنه قد بلغ الغاية في الشعر ووصل إلى حد جعلنا لا نعتد بالصفات الأخرى التي يمكن أن يتصف بها؛ وذلك لقصور تلك الصفات عن صفة الشعر التي تفوّق فيها ووصل إلى حد النهاية.