وقع القصر بين أجزاء الجملة الفعلية، فإن قصر الفعل على الفاعل يكون من قبيل قصر الصفة على الموصوف، كقولك: ما كتب إلا محمد، لا ينال العلا إلا المُجد، ومنه قول الشاعر:
لا يطرد الهم إلا الهم من رجل
وقوله جل وعلا: {لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} (الأنعام: 59) وقوله: {هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} (الأنعام: 47) وقوله: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} (آل عمران: 135) وقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: 28). وقصر الفعل على المفعول كقولك: ما ضرب محمد إلا زيدًا، وإنما أكرم زيد عمرًا، وكما في الآيات الكريمة: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} (المائدة: 117) {وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} (الأنعام: 26) {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} (النجم: 23) وكقولهم: إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، يجوز أن يُعد من قبيل قصر الصفة على الموصوف؛ أي قصر الفعل الواقع من الفاعل على المفعول، فيكون المعنى عندئذ: ما مضروب محمد إلا زيد، ما مُكْرَم زيد إلا عمرو، ما مقولي إلا ما أمرتني به، ما مُهْلِكُهم إلا أنفسهم، ما متبعهم إلا الظن، ما مأكول الذئب إلا الغنم القاصية، فتأول الصفة المقصورة اسم مفعول؛ لأن الحدث لم يقع من المفعول المقصور عليه وإنما وقع عليه.
ويجوز أن يُعد من قبيل قصر الموصوف على الصفة؛ أي قصر الفاعل على الفعل الواقع على المفعول؛ ففي الأمثلة المذكورة قصر محمد على ضرب زيد، وزيد على إكرام عمرو، وعيسى -عليه السلام- على قول ما أمره الله به، إلى آخر تلك الشواهد، والأولى من هذين الوجهين أن يُجعل الفعل مقصورًا على تعلقه بالمفعول، تقول في الشواهد المذكورة: قصَر ضرب محمد على تعلقه بزيد،