ولا يقال: كيف يوقف الموصوف على صفة واحدة؟ فإن هذا محال ولا يتأتى؛ لأننا نقول: المراد بالصفات المنفية هي تلك الصفات التي تتصل بالمعنى المذكور، فالصفة المقصور عليها في المثال صفة الشعر، ومعنى قصر شوقي عليها قصرًا حقيقيًا أنك نفيت عنه كل ما يتصل بها ويدور في فلكها، أو كما يقول عبد القاهر: "كل ما هو بسبيل منها"، كالكتابة والخطابة والفقه والحديث والنحو وما إلى ذلك، فهو ليس بارعًا في فرع من فروع المعرفة إلا في الشعر الذي قُصر عليه، وليس المراد أنك نفيت عنه كل صفة يمكن أن يوصف بها، ككونه مصريًّا أو فقيرًا أو سليمًا أم معافى أو أبيض أو كريمًا أو شجاعًا، ليس هذا مرادًا بل المراد كما قلنا: ما هو بسبيل من صفة الشعر المقصور عليها.
ومن شواهد قصر الموصوف على الصفة قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} (فاطر: 22، 23) حيث قصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على صفة الإنذار، لا يتجاوزها إلى أن يملك تحويل القلوب المشركة عما هي عليه من العناد والمكابرة، ومنه قوله أيضًا -صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله -عز وجل- يعطي)) فقد قالوا في معناه: كان بعض الصحابة يسمع الحديث ولا يفهم منه إلا الظاهر الجلي، ويسمعه آخرون منهم فيستنبطون منه المسائل الكثيرة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- حين يحدّثهم يكون كلامه مقسومًا بينهم، شركة بين الجميع، أما الفهم والاستنباط فهو من عطاء الرحمن، ففي الحديث قصرٌ للرسول -صلى الله عليه وسلم- على كونه قاسمًا لا يتجاوز تلك الصفة إلى الإعطاء، فالإعطاء هو تحقيق الفهم من الله تعالى، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- لفرط اعتقادهم في هدايته -عليه الصلاة والسلام- رأوا أنه يقسّم ويعطي؛ ولذا بيّن لهم -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يملك إلا القسْم وأما الإعطاء فمن الله تعالى، فالقصر إذن قصر موصوف على صفة قصرًا إضافيًا إفراديًّا.