أسلوب القصر أن الإله واحد {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} فهو قصر إفراد، وتأمل قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (آل عمران: 144) فالصحابة -رضوان الله عليهم- لشدة تعلقهم وحبهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- أُنزلوا منزلة من يعتقد أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- يجمع بين صفتي الرسالة والخلد، فجاء أسلوب القصر مفيدًا أنه -عليه الصلاة والسلام- مقصور على صفة الرسالة، فهو رسول يخلو كما خلت الرسل من قبله، لا يتجاوز صفة الرسالة إلى التخليد في الدنيا.
وخذ قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} (فاطر: 22، 23) فلما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتمنى هداية قومه، حريصًا -بل شديد الحرص- على قبولهم الهداية نُزّل -عليه الصلاة والسلام- منزلة من يعتقد أنه يجمع بين صفتي الإنذار والقدرة على خلق الهداية في النفوس، التي أصرت على الضلال والمكابرة، فجاء أسلوب القصر: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} محددًا مهمة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقاصرًا إياه على صفة الإنذار لا يتعداها إلى القدرة إلى إسماع من في القبور.
ويُشترط في قصر الموصوف على الصفة إفرادًا: عدم تنافي الوصفين -بالطبع- حتى يتصور اجتماعهما لموصوف واحد في ذهن المخاطب، فلا يقال في قولك: محمد أبيض لا أسود، إنه قصر إفراد؛ إذ لا يتصور أن يعتقد معتقد أن محمدًا يتصف بالبياض والسواد معًا، كما اشترط الخطيب القزويني في قصر الموصوف على الصفة قلبًا تنافي الصفتين حتى يكون إثبات إحداهما مشعرًا بانتفاء الأخرى، كقولك: محمدٌ طويل لا قصير، زيد ذكي لا غبي، عمرو شجاع لا جبان، حاتم كريم لا بخيل، ورد عليه بأن قصر القلب يرد كثيرًا في الصفات غير المتنافية، كما مر بنا في كلام عبد القاهر من أن المنفي من الصفات ما كان له تعلقٌ، وهو من المقصور عليه بسبب، فلا وجه إذن لهذا الاشتراط.