ثالث هذه الأقسام في القصر الإضافي: قصر التعيين، وهو تخصيص أمر بأمر دون آخر، ويخاطب به المتردد بين الشيئين، كقولك لمن يتردد شاكًّا في الناجح أعمرو أم بكر: إنما الناجح عمرو، وقولك لمن يشك في أمر زيد أمقيم أم مسافر: زيد مقيم لا مسافر، وتأمل معي قول الشاعر:
فإن كان في لبس الفتى شرف له ... فما السيف إلا غمده والحمائل
تجده قصرًا إضافيًّا صالحًا لأن يكون قصر قلب أو إفراد أو تعيين، وذلك حسب تصورك لحال المخاطب، فإن كان يعتقد أن الشرف في اللبس والزينة دون الفضائل النفسية فهو قصر قلب، وإن اعتقد أن الشرف فيهما معًا فهو قصر إفراد، وإن تردد وشك في مرجع الشرف أئلى اللبس والزينة يرجع أم إلى الفضائل النفسية فهو قصر تعيين، والأرجح هو أن يكون قصر تعيين؛ لأن الشاعر يريد أن يقرر أن مَردّ الشرف إلى ما يتصف به الإنسان من الفضائل لا إلى الشكل والزينة، فهذا من الأمور الواضحة الجلية، ولا يرتاب فيها إلا من ارتاب في الأمور البدهية، كمن يرتاب مثلا في مزية السيف وجودته؛ أئلى حدته وشدة قطعه ترجع أم إلى غمده والحمائل، فمن ارتاب في هذا الأمر البين فقل له موبخًا ومشيرًا إلى ضعف عقله وقلة تفكيره وشدة غبائه: ما السيف إلا غمده والحمائل.
هذا ومراد البلاغيين بحال المخاطب، ما وقف القارئ للتعبيرات الجيدة عليه من قرائن الأحوال وسياقات الكلام، فالسياق وما به من قرائن هو الذي يبرز لك حال المخاطب، تأمل قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (آل عمران: 144) وقوله عز وجل: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} فالعبارة واحدة والبناء هو البناء، وعلى الرغم من ذلك نقول: إن القصر في الآية الأولى قصر إفراد، وفي الثانية قصر قلب، والذي