ليس في الدنيا قائمٌ سواه، وإنما تعني ما قائم حيث نحن وبحضرتنا وما أشبه ذلك". انتهى من (الدلائل).
أقول: لو تنبهنا وتنبه البلاغيون إلى هذا القول، ما خرجوا بالمسألة عن نطاق الدرس البلاغي، وما خاضوا بها الخوض الذي خاضوه. وخلاصة القول: أن المنفي عنه في القصر الحقيقي التحقيقي ما هو بسبيل من المقصور عليه، وواقع في دائرته ويتبادر إلى الذهن عند سماع أسلوب القصر، فإذا قلت: ما شاعر إلا زيد، فإنك لا تعني نفي الشاعرية عن كل من ولدته حواء في كل العصور وكل الأمم، إنما تعني نفي الشاعرية في حدود ما يشير السياق والقرائن، كذا ذكره أبو موسى في (دلالات التراكيب).
وكذا إن قلت: ما زهير إلا شاعر، لا يعني أنك تنفي عن زهير كل صفة غير الشعر، وإنما يعني أنك تنفي عنه كل ما هو بسبيل من صفة الشعر، كالخطابة والكتابة، وكل ما هو في نطاق القول والإبداع مما يحدده السياق وتشير إليه القرائن، أما القصر الحقيقي الادعائي فهو أن يختص المقصور بالمقصور عليه بحيث لا يتعداه إلى غيره ادعاء ومبالغة، فالمقصور يختص بالمقصور عليه وينفي عن كل ما عداه مما هو بسبيل منه نفيًا يقوم على المبالغة والتجوّز، ولا يقوم على المطابقة الحقيقية للواقع كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: 28)، فقد قُصرت خشية الله على العلماء، ونُفيت عن كل من عداهم، ولا يعني هذا أن غير العالم لا يخشى الله تعالى، بل قد يكون غير العالم أشد خشية لله من العالم، ولكن سياق الآيات في التنويه بشأن العلماء وتعظيم منزلتهم والحث على النظر والتأمل.