وفي هذه الأمثلة نلاحظ التنافر الشديد بين الكلمات وعدم التلاؤم، فهي تبدو عند النطق بها متعادية متجافية، لا تآلف بينها، ولا انسجام. النوع الثاني: تنافر خفيف؛ أي أن الثقل فيه أخف وطأة من سابقه، وقد مثلوا له بقول أبي تمام يمدح موسى بن إبراهيم:

كريم متى أمدحه أمدحه والورى معي ... وإذا ما لمته لمته وحدي

يقول: إنه كريم إذا مدحته شاركني الناس جميعًا في مدحه؛ لأنه جدير بهذا المدح لطيب معدنه ونبل أخلاقه، وإذا لمته لا يوافقني أحد على هذا اللوم؛ لأنه لا يستحق عتابا، ولا لومًا في نظرهم. والشاهد في قوله: أمدحه مع التكرار، فإن فيه ثقلًا خفيفًا لما بين الحاء والهاء من التنافر، وهما من حروف الحلق، فإذا تكررت الكلمة تضاعف ذلك الثقل، وحصل التنافر المخل للفصاحة. أما مجرد الجمع بين الحاء والهاء في أمدحه، فإنه لا يخل بفصاحة الكلام، كيف وقد وقع مثله في القرآن؟! نحو قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} (ق: 40) فكلمة {فَسَبِّحْهُ} اجتمع فيه الحاء مع الهاء، والقول باشتمال القرآن على كلام غير فصيح مما لا يجترئ عليه مؤمن، فالثقل هنا ناشئ من تكرار الفعل مع الجمع بين الحاء والهاء. ومنه أيضًا قول الشاعر:

لو كنت كنت كتمت السر كنت كما كنا ... نكون ولكن ذاك لم يكن

فتكرار الكاف والنون في كلمات هذا البيت أوجد ثقلًا، وإن كان خفيفًا إلى حد ما عن النوع الأول، ومنه قول الآخر:

وازور من كان له زائرا ... وعافٍ عافَ العرف عرفانه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015