عن طواعيةٍ، أو عن كراهيةٍ؛ وذلك أنه سبحانه قد علم من حالهم عدم الاهتداء، وربما يتوهم المخاطب أن الإنفاق طوعًا مقبول، فدفع ذلك بالتسوية بينهم. ومثل ذلك: قول الله تعالى: {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (الطور: 16)، وقوله: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا} (الإسراء: 107) أي: يستوي الصبر وعدمُه في عدم النفع؛ وذلك دفعًا لما قد يتوهم من أن الصبر نافع للكفار في عذاب يوم القيامة.
وتشعر في الآية الثانية فضلًا عن التسوية بين الإيمان وعدمه بمعنى الاحتقار والازدراء، وقلة المبالاة، أي: آمنوا أو لا تؤمنوا فقد آمَن به مَن هم أفضل منكم وأعظم؛ ولذا استوى إيمانكم وعدم إيمانكم.
ويأتي الأمر ليفيد التمني: ويكون ذلك في مقام طلب الشيء المحبوب الذي لا قدرةَ للطالب عليه، ولا طمع له في حصوله. كما في قوله تعالى: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} (المؤمنون: 107). وقد طلبوا الخروج من النار. ولات حين خروج؛ إنه محال ولا طمع لهم في حصوله، ولكنه التمني.
وانظر إلى قول امرئ القيس:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فالشاعر قد كثرت همومه، تكالبت عليه الشدائد حتى أصابه الأرَق، وهجره النوم. هو يتمنى أن ينجلي ذلك الليل وينأى بظلامه عنه حتى يستقبل الصباح، وينعم بضيائه، ثم عاد على ذلك بالنقل، فقال: وما الإصباح منك بأمثل. فأنت وهو سواء، وإنما طلب انجلاء الليل مع هذا؛ لأن في تغير الزمن راحةً على كل حال، وليس الغرض من صيغة انجلى: طلب الانجلاء من الليل؛ لأن الليل ليس مما يخاطب ويؤمر. وإنما يتمنى الشاعر ذلك تخلصًا مما يعاني.