ويفيد الأمر أحيانًا الدعاء: وهو الطلب على سبيل التضرع والخضوع، ويكون في أسلوب الأمر إذا صدر من الأدنى إلى الأعلى منزلةً، كما في قول الله تعالى: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} (طه:25: 32)، وقوله -عز وجل-: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} (آل عمران: 193)، وقوله -جل وعلا-: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (البقرة: 126).
فالأمر في هذه الآيات الكريمة ونحوها المراد منه التضرع إلى الله والتوجه إليه والدعاء له؛ لأن الله -جل وعلا- لا يأمره أحد من خلقه. وسر التعبير بأسلوب الأمر في مقام الدعاء في الآيات الكريمة هو إظهار كمال الخضوع لله -عز وجل- وبيان شدة الرغبة في تحقيق تلك الأفعال حتى كأنها أمور مطلوبة من الله -تبارك وتعالى-.
ومن المعاني التي يفيدها الأمر: الالتماس، ويكون عند خطاب مَن يساويك في الرتبة والمنزلة، والطلب منه على سبيل التلطف، وبدون تضرع ولا استعلاء. على نحو ما ترى في قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحَومل
وهو يخاطب صاحبيه، ويطلب منهما الوقوف في هذا المكان العزيز على نفسه؛ ليذرفَا معه الدمع قضاءً لحق هذه الذكرى الغالية. وهو طلب جاء لصاحبيه بأسلوب الأمر، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يراد بصيغة الأمر الالتماس لا الإلزام والتكليف؛ لأن خطاب الند ندَّه لا يراد به معنى الإلزام.