لأنك تجد أن الشاعر هنا يتحدى المخاطبين أن يوقفوا على بخيل قد امتد عمره وطال أجله بسبب بخله، وأن يبرزوا له كريمًا قد مات من كثرة البذل والعطاء. وتشعر بما وراء ذلك من التنفير من البخل، والحث على الكرم والعطاء.
ويأتي الأمر للإهانة والتحقير: ويكون هذا في مقام عدم الاعتداد بالمخاطب، وقلة الاكتراث، وقلة اللامبالاة والاكتراث به. كما في قول الله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (الدخان: 49). فالكافر لا يمكنه الذوق؛ لأنه يعاني غصص العذاب وآلامه ومحنه، وتلك حال لا يستطيع فيها أن يذوق إلا الحميم والغسلين. ولا يخفى عليك ما وراء أسلوب الأمر من الإهانة والتحقير والتهكم والاستهزاء بهؤلاء الذين انحرفوا عن العقل، وحادوا عن المنهج القويم. وتنبعث تلك السخرية من قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}. ولا عزة ولا كرامة وإنما ذِلة ومهانة، ومثل قوله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء: 138). فالأمر بالتبشير في الآية يحمل معنى الإهانة والتحقير لهؤلاء المنافقين.
وتأمل قول الشاعر:
فدع الوعيد فما وعيدك ضائري ... أطنين أجنحة الذباب يضير
فأمره بترك الوعيد يشعر بمدى الحقارة والاستهزاء بهذا الذي يتوعد ويهدد وليس في إمكانه أن يحقق هذا الوعيد؛ فوعيده طنين كطنين أجنحة الذباب. وأنَّى لمثل هذا الوعيد أن يضير، بل كيف يتوعد مَن هذا شأنه؟!
ويأتي الأمر كذلك ويراد به التسوية ويكون ذلك في مقام توهم رجحان أحد الأمرين على الآخر. كما في قول الله تعالى: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ} (التوبة: 53). أي: يستوي عدم القبول منكم، سواء أكانت النفقة صادرةً