تلاحظ أن العيب المخل بالفصاحة هنا ليس مقصورًا على مخالفة القياس الصرفي فقط، بل تعددت صوره ومواضعه ليدخل فيه كل ما ينكره أهل اللغة لمأخذ لغوي أو صرفي، أو تصرف في الكلمة بزيادة أو نقص غير معهودين؛ ولذلك سمي هذا العيب مخالفة القياس اللغوي، فالقول بأنه مخالفة القياس الصرفي قول ناقص، وإن شئت فقل: مخالفة الوضع اللغوي، أما مخالفة القياس فقط، فلا تكفي؛ إذ قد يحمله بعض الناس على القياس الصرفي فقط، وهذا خطأ؛ لأن مخالفة القياس الصرفي لا تخل دائمًا بالفصاحة، فقد تكون الكلمة مخالفة لقواعد الصرف، وهي مع ذلك فصيحة لموافقتها للوضع اللغوي، مثل كلمة استحوذ، والقياس الصرفي يقتضي إعلالها بقلب الواو ألفًا فيقال: استحاذ كاستقام واستجاب، نقول في مثلها: نقلت حركة الواو إلى الحرف الساكن الصحيح قبلها، ثم قلبت الواو الساكنة ألفًا لانفتاح ما قبلها، فتصير استحاذ، كاستقام واستجاب. وهي مع ذلك فصيحة لموافقتها ما نقل عن واضع اللغة.
ومن هذا القبيل كلمات: آل، وماء، وأبا يأبى، بفتح العين في المضارع، وعور يعور، فآل، وماء أصلهما: أهل ومَو، فأبدلت الهاء همزة، وإبدال الهمزة من الهاء مخالف للقياس، وأما يأبى، فالقياس فيه كسر العين، وهي هنا الباء؛ لأن فعل بفتح العين لا تفتح عينه في المضارع إلا إذا كانت عينه أو لامه حرف حلق، كسأل وقرأ ومنع، وأما عور يعور فقد بقيت الواو على حالها، ولم تقلب ألفًا لأن الوصف منه على أفعل فعلاء، وهو أعور عوراء، فالفعل لم يستوف شرط الإعلال؛ ولذلك استعمل هكذا عور يعور، بدون إعلال. فهذه الأمثلة وما يشاكلها فصيحة الاستعمال، وإن خالفت القياس الصرفي لثبوت استعمالها لدى العرب الفصحاء، فهي موافقة لما ثبت عن الواضع.