ثاني هذه الأمور المخلة بفصاحة المفردة أو اللفظة أو الكلمة بعد تنافر الحروف: مخالفة القياس اللغوي، وهي أن تجيء الكلمة على خلاف ما ثبت عن العرب الخلص، كأن تستعمل في غير ما وضعت له في عرف اللغة لا على سبيل المجاز مثل الأيم في قول البحتري:

يشق عليه الريح كل عشية ... جيوب الغمام بين بكر وأيم

وقد استعمل الأيم بمعنى الثيب؛ حيث جعلها في مقابل البكر، والأيم في اللغة تطلق على المرأة التي لا زوج لها بكرًا كانت أم ثيبًا، قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (النور: 32) وليس مراده تعالى نكاح الثيبات منهن دون الأبكار، وإنما أراد اللاتي لا أزواج لهن، ومنه أن تكون الكلمة مخالفة للقياس الصرفي، كما في قول أبي النجم العجلي:

الحمد لله العلي الأجلل ... الواهب الفضل الكريم المجزل

فإن القياس يقتضي إدغام المتماثلين، فيقول: الأجل، ولكنه فك الإدغام لضرورة الشعر مخالفًا بذلك ما تقرره القواعد الصرفية، ومنه كذلك قول أبي الطيب المتنبي:

فإن يك بعض الناس سيفا لدولة ... ففي الناس بُوقَات لها وطبول

فكلمة "بوقات" غير فصيحة لأن القياس يقتضي جمع بوق على أبواق جمع تكسير، ولم يرد جمعه على بوقات. ومن صور المخالفة أيضًا حذف بعض الكلمة، كما في قول الشاعر:

فلست بآتيه ولا أستطيعه ... ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل

أراد: ولكن اسقني. فحذف النون، وهكذا نرى أن مخالفة الكلمة في الوضع اللغوي عيب في صيغتها يخرجها عن الفصاحة، ومن ثم عن البلاغة. ولعلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015