ثالث هذه العيوب المخلة بفصاحة الكلمة بعد تنافر الحروف ومخالفة القياس اللغوي: الغرابة، وهي أن تكون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى، ولا مأنوسة الاستعمال عند العرب الخلص. ويفهم من هذا أن غير العرب الخلص من المحْدثين، الذين ظهروا بعد تفشي اللحن وشيوع الخطأ في اللغة، وضعف الملكات اللغوية، هؤلاء وغيرهم من المولدين لا يعول عليهم في الحكم على الكلمة بالغرابة، وفهم معنى الكلمة الغريبة يحتاج إلى أحد أمرين: البحث، والتنقيب عنها في كتب اللغة المبسوطة.
ب- التخريج على وجه بعيد لتردد الكلمة بين معنيين أو أكثر بلا قرينة معينة، فمن النوع الأول الذي يحتاج إلى البحث والتنقيب عنه في معاجم اللغة، كلمتا: تكأكأتم، وافرنقعوا، في قول عيسى بن عمر النحوي حين سقط عن راحلته، فتجمع الناس حوله، فصاح فيهم: "ما لكم تكأكأتم علي كتكأكئكم على ذي جنة، افرنقعوا عني". ويريد اجتمعتم علي، فتنحوا عني. فقد استطاع هذا النحوي بذكائه أن يشغلهم بهاتين الكلمتين الغريبتين على سبيل المزاح والمداعبة حتى ينهض من عثرته، ويفلت من بين أيديهم، ولذلك قال بعضهم: دعوه، فإن شيطانه يتكلم بالهندية. وهذا دليل على ما في الكلمتين من غرابة تحتاج إلى مراجعة كتب اللغة المبسوطة؛ للكشف عن المعنى المراد منهما. ومن هذا النوع أيضًا كلمات الطرموق بمعنى الطين، بمعنى الإسهال والإطشاش والإبْرِغْشاش أي الشفاء، وفَدَوْكَس أي الأسد، وخنْدَرِيس أي الخمر، والابْتِشاك أي الكذب، كل هذه كلمات غريبة، قال الشاعر:
وما أرضى لمقلته بحِلم ... إذا انتبهت توهمه ابتشاكا