السليم المكتسب بالنظر في كلام العرب وتذوق أساليبهم، فما يعده الذوق السليم ثقيلًا عسر النطق فهو متنافر، سواء أكان ذلك من قرب مخارج الحروف أو من بعدها أم من غير ذلك، وما كان خفيفًا على اللسان لا ينفر منه السمع، ولا ينبو عنه الطبع فهو فصيح.
ونحن إذا احتكمنا إلى الذوق السليم في كلمة مستشزرات الواردة في معلقة امرئ القيس، نجد أنها قد عبرت عن المعنى الذي يريده الشاعر أصدق تعبير، فهو يصف شعرها بكثرته وتداخله وتشابكه، ولذلك عمد إلى كلمة فيها هذا التداخل والتشابك، وهي مستشزرات التي تداخلت أصوات حروفها، وكاد صوت التاء والشين يختفي بين صوتي الراء والسين، فهي أكثر ملاءمة للمقام الذي وردت فيه من بديلتها مرتفعات مثلًا أو مستشرفات، وصورتها توحي بصورة الشعر الذي يصفه الشاعر لا سيما بعد قوله: "أثيث كقنو النخلة المتعثكل" فالسياق يستدعي كلمة مستشزرات ويلح عليها، ولذلك جاءت معبرة عن مراده في دقة ومؤثرة في قوة. كذا قاله البعض، وذهب إليه.
كما أن طول الكلمة ليس عيبًا في كل الأحوال وعلى الإطلاق، وقد وردت في القرآن الكريم كلمات طويلة، ومع ذلك، فهي خفيفة على اللسان، لا ثقل فيها مثل قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة: 137) وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} (النور: 55) وأظنك معي، لا تجد صعوبة في النطق بهاتين الكلمتين {فَسَيَكْفِيكَهُمُ}، و {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} ومثلهما {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} (هود: 28) فطول الكلمة ليس على إطلاقه يعد عيبًا، ولذلك نقول: إن الأحكام البلاغية يجب أن تبنى على الأعم الأغلب، ولا تبنى على القطع والإطلاق؛ لأن القاعدة لا تطرد في كل الأحوال، والذوق العربي السليم هو الحكم الفيصل في مثل هذه الأمور.