كذا ذكره سعد التفتازاني في (المطول).
ومن ذلك: قول الله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} (النور: 1) ويحتمل أن يكون المراد: هذه سورة أنزلناها. فيكون المحذوف هو المسند إليه، ويحتمل أن يكون: فيما أوحينا إليك سورة أنزلناها. فيكون المحذوف هو المسند. وكذا قوله -جل وعلا-: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} (النور: 53). هذه الآية نزلت في شأن المنافقين الذين ذهبوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرهم أن يخرجوا من أموالهم لخرجوا. فنزلت هذه الآية الكريمة: {قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ}. وهي تحتمل حذف المسند إليه، فيكون المعنى: أمركم أو الذي يطلب منكم طاعة معروفة معلومة لا يشك فيها ولا يرتاب، كطاعة الخلص من المؤمنين الذين طابق باطن أمرهم ظاهره، لا أيمان تقسمون بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها، أو طاعتكم طاعة معروفة، أي: بأنها بالقول دون الفعل. وتحتمل حذف المسند، فيكون المعنى: طاعة معروفة أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة.
وما من ريب في أن الكلام إذا احتمل حذف المسند أو المسند إليه يكون أوفر معنًى، وأغزر دلالةً؛ لأنه يحتمل وجهين. ووفرة التأويلات من فضائل الكلام الجيد. على حد ما ذكر الدكتور أبو موسى في (خصائص التراكيب).
هذا، وتقدير المحذوف أو القول بالحذف يحتاج من الدارس إلى تأمل دقيق ونظر واع؛ حتى لا يتناقض مع صحة المعنى واستقامته، انظر مثلًا إلى قول الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ} (النساء: 171) فالمراد: النهي عن التثليث. أي: لا تقولوا بالتثليث، انتهوا عنه يكن خير لكم؛ فالله واحد لا شريك له. الآية الكريمة فيها حذف، ويحتمل أن يكون المحذوف