وقول عمر بن عبد العزيز لرجل من قريش جاء يكلمه في حاجة له، فجعل يمت بقرابته، فقال له عمر: فإن ذلك، أي: فإن ذلك لك، ثم ذكر الرجل حاجته، فقال عمر: لعل ذلك، أي: لعل ذلك ييسر لك ويقضى، وتقول لمن قال لك: هل لك أحد ينصرك، إن الناس إلب عليك، تقول: إنْ زيدًا، وإنْ عمرًا، وإنْ ولدًا، وإنْ مالًا. وعليه قول الأعشى:
إن محلًّا وإن مرتحلًا ... وإن في السفر إذا مضوا مهلًا
يريد: إن لنا محلًّا في الدنيا، وإن لنا مرتحلًا عنها إلى الآخرة. ومحِلًّا ومرتحلًا: مصدران ميميان بمعنى الحلول والارتحال.
والسفر: اسم جمع بمعنى: المسافرين. والمراد بهم في البيت: الموتى. والمهل: مصدر بمعنى: الإمهال وطول الغيبة، والمعنى: إن في غيبة الموتى طولًا وبعدًا؛ لأنهم مضوا مضيًا لا رجوع معه إلى الدنيا. ومنه قول الآخر: ليت أيام الصبا رواجعًا، يريد: ليت أيام الصبا لنا رواجعا، أو أقبلت رواجعا. وتقول لمن قال لك: هل أحد يشبه عمرَ في عدله؟: كأن فلانًا. ولمن قال لك: الخسارة فادحة، والخطب جلل، الناس جميعًا ضدك، لكنْ مالًا، ولكنْ ولدًا، يريد: كأن فلانًا يشبهه، لكنّ لي مالًا ولي ولدًا. والعفو في هذا الموضع أفاد الإيجاز ونقاء الجمل وترويقها. أو كما قال البلاغيون: الاحتراز عن العبث. فالذي حذف قد وجدت القرينة الدالة عليه، والمقام مقام إيجاز، ولمح.
وذكر ما قد دل الدليل عليه في مثل هذا المقام يعد عبثًا.
تأمل قول الرسول -صلى الله عليه وسلم: ((فإن ذلك))، قول عمر: لعل ذلك. فستدرك قوة لمح المتكلم، وحسن اقتداره على تصفية العبارة وترويقها من زوائد لا يستدعيها المقام. تأمل قولك: ضربي زيدًا قائمًا. ووازن بينه وبين قولك: ضربي زيدًا