بوجهه سوء العذاب. هذا يتقي بوجهه سوء العذاب، وذاك ينعم في الجنة، هذا قد زين له عمله السيئ فرآه حسنًا، وذاك قد هداه الله للخير والعمل الصالح.

فحذف المسند كما ترى ينبئ بالتباعد بين الفريقين، ويوحي بالمسافات المتناهية بينهما، ويجعل الذهن يتشبع ويمتلئ بصورة المسند إليه فتقر في القلب، وترسخ في العقل.

ولا يخفى عليك أن الحذف في الآيتين الأخيرتين قد أفاد تعظيم المسند المحذوف ورفعة شأنه، كما أفاد تحقير المسند إليه المذكور وانحطاطه، وذلك عكس ما أبصرت في الآيتين السابقتين، إذا أفاد الحذف فيهما تعظيم المسند إليه المذكور وعلو منزلته، وتحقير المسند المحذوف وانحطاطه، وازدياد وازدراء النفوس له.

وقد يحذف المسند اتباعًا للاستعمال الوارد عن العرب كقولك: خرجت فإذا زيد، لولا زيد لهلك الناس، لعمرك لأفعلن، كل رجل وضيعته، والتقدير: فإذا زيد حاضر، لولا زيد موجود، لعمرك يميني كل رجل مقترنان، وقد ذكر النحاة أن الأساليب العربية جرت على إسقاط المسند في هذه المواضع، وهي: إذا الفجائية، ولولا، والقسم الصريح، وواو المصاحبة، وكذا مع الحال الممتنع كونها خبرًا، نحو: ضربه زيدًا قائمًا. أي: ضربه زيدًا حاصل إذا كان قائمًا.

وذكر سيبويه أن الحروف الخمسة التي تعمل فيما بعدها عمل الأفعال، وهي: إن، ولكن، وليت، ولعل، وكأن، يحسن السكوت عليها، مع إضمار خبرها. من ذلك: قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للمهاجرين، وقد شكروا عنده الأنصار: ((أليس قد عرفتم أن ذلك لهم؟ قالوا: بلى. قال -عليه الصلاة والسلام-: فإن ذلك))، يريد: فإن ذلك مكافأة لهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015