ومن ذلك: قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (الأنفال: 41) وقوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}: مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: فحق أو فواجب أو فثابت. قال الزمخشري: كأنه قيل: فلا بد من ثبات الخمس فيه لا سبيل إلى الإخلال به والتفريط فيه، من حيث إنه إذا حذف الخبر واحتمل غير واحد من المقدرات. كقولك: ثابت، واجب، حق، لازم، وما أشبه ذلك، كان أقوى للإيجاب من النص على واحد.
وتأمل قول الله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} (الرعد: 33) تجد أنه قد حذف المسند وتقديره: أفمن هو قائم كمَن ليس كذلك، والقائم على كل نفس هو الله -جل وعلا- فهو متولي أمر كل نفس وحافظ شأنها. ومن ليس كذلك هو المعبود بالباطل من دون الله -عز وجل-. والحذف هنا يشعر بتعظيم الله -تبارك وتعالى- وتحقير وازدراء تلك المعبودات، وينبئ بأنه لا وجه للمقارنة بين الخالق القادر القائم على كل نفس وبين تلك المعبودات.
فينبغي عدم الجمع بينهما ولو في اللفظ. وكذا القول في الآيات الكريمة: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (الزمر: 22) والتقدير: كمن قَسَا قلبه، وكان صدره ضيقًا حرجًا. ومثله: قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (الزمر: 24) أي: كمن ينعم في الجنة. وقوله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} (فاطر: 8) أي: كمن لم يزين له، أو كمن هداه الله، فالحذف في الآيات يشعر بأنه لا وجه للمقارنة بين الاثنين، فهذا قد شرح الله صدره للإسلام، وذاك قد أمسى قلبه وأضحى صدره ضيقًا حرجًا، وهذا يتقي