فالأصل: إلا أن أغناهم الله من فضله وأغناهم رسوله، والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك. فحذف المسند في الموضعين؛ لدلالة المذكور عليه، وحذفه يفيد تعظيم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو المسند إليه، إذ جعل إرضاءه من إرضاء الله، وإغناءه من إغنائه تعالى، وهذا تعظيم ما بعده تعظيم.

وتأمل؛ تقديم المسند إليه: {رَسُولُهُ}، وإيلاءه لفظ الجلالة، ففيه تنبيه ولفت إلى تعظيم رسول الله -صلوات الله عليه- ودلالة على أنه من الله بمكان. ومن البلاغيين من يرى أنه لا حذف في الآيتين مجوزًا أن تكون جملة واحدة، وتوحيد الضمير في: {مِنْ فَضْلِهِ}، و {يُرْضُوهُ}، ينبئ بأنه لا تفاوتَ بين إغناء الله وإغناء رسوله، ولا بين إرضاء الله وإرضاء رسوله؛ فهما في حكم مغن واحد ومرضٍ واحد، كما تقول: إحسان عمرو وكرمه غمرني. وتفرد الضمير جاعلًا الإحسان والكرمَ بمعنًى واحدٍ، ولا يخفى عليك ما في هذا أيضًا من تعظيم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورفعة بشأنه.

كذا ذكره في (الإيضاح).

ومثل هذا وعلى طريقته قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} (المائدة: 69) حيث قدم: {الصَّابِئُونَ} على خبر إن، وهو مبتدأ، أي: الصابئون كذلك؛ وذلك لأن الصابئين أشد هذه الفرق. ويُظن أنهم لا يستوون مع غيرهم، فأقحم للدلالة على التساوي كما في الشواهد التي مضت. وقد ترى سر التأثير ومرجع المزية في حذف المسند كامنًا في تكاثر المعنى؛ نظرًا لكثرة الوجوه التي تصلح لتقدير المحذوف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015