وقول أبي العتاهية:
ما كل رأي الفتى يدعو إلى رشد ... إذا بدا لك رأي مشكل فقف
يريد الشاعر أن يقول: ليس كل ذي رأي على حق فقد يصيب وقد يخطئ، فإذا ما أشكل عليك رأي فتريثْ في الأمر حتى تستشيرَ فيه، فرأيان خير من رأي، ونحو قولك: ما نجح الطلاب كلهم، وما نجح كل الطلاب، ومثل قولك: لم أطالع الصفحات كلها، ولم أطالع كل الصفحات؛ ففي كل هذه الأمثلة وقعت أداة العموم بعد أداة النفي لفظًا ورتبة ً، غير أنها في المثال الأول والثاني -يعني: بيتي المتنبي وأبي العتاهية- معمولة للنفي إذا جعلنا "ما" حجازية وللابتداء إن جعلت تميمية، وهي في المثال الثالث والرابع والخامس والسادس معمولة للفعل المنفي كما تراه واضحًا.
وإذا وقعت أداة العموم بعد النفي رتبةً فقط مثل قولهم: كل الصفحات لم أطالع، والصفحات كلها لم أطالع؛ بنصب كل فيهما باعتبارها معمولًا للفعل المعمول متأخرًا في الرتبة عن عامله؛ فإن النفي هنا يتوجه إلى الشمول خاصة ً، وهو ما يسمى بسلب العموم.
كما يفيد الكلام ثبوت الحكم لبعض ما أضيف إليه كل إن كانت كل فاعلًا لفظًا ومعنًى، مثل: ما نجح كل الطلاب، أو فاعلًا معنى فقط بأن كان التوكيد للفاعل مثل: ما نجح كلهم، أو أفاد تعلقه بهذا البعض إن كانت كل معمولًا في المعنى واللفظ مثل: لم أطالع كل الصفحات، أو معمولًا في المعنى فقط مثل: لم أطالع الصفحات كلها، وعلة إفادة سلب العموم؛ أي: عدم الشمول عند تقدم النفي على أداة العموم أنك إذا بدأتَ بالنفي كنت قد بنيت الكلية عليه، وسلطت النفي عليها وأعملته فيها؛ وذلك يقتضي أن يخرج البعض عن الحكم.