وهكذا نجد عموم النفي عند تقدم أداة العموم متفق عليه، أما نفي العموم -أي: توجه النفي للشمول وثبوت الحكم للبعض عند وقوع أداة العموم في حيز النفي- فمختلف فيه بين بدر الدين بن مالك الذي يرى أن الحكم ليس على إطلاقه، فهذه الإفادة ليست قطعية بل احتمالية، وبين عبد القاهر الذي يرى أن نفي العموم أمر قطعي كعموم النفي.
والحق أن الصواب فيما عليه ابن مالك؛ لوجود أساليب كثيرة وقعت فيها أداة العموم بعد النفي لفظًا ورتبةً، ومع ذلك أفادت عموم السلب لا سلب العموم كما قرر عبد القاهر.
ومن هذه الأساليب التي اعترض بها البلاغيون على عبد القاهر قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (الحديد: 23) وقوله سبحانه: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (البقرة: 276) وقوله -عز وجل-: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} (القلم: 10) إذ ليس معقولًا أن يحظى بهذا الحب أو بهذه الإطاعة بعض هؤلاء، وإنما الكل في غضب الله عليهم سواء، وقد أجيب عن هذا: بأن عبد القاهر كلامه مبني على أصل الوضع، وإفادة هذه الأبيات لعموم السلب، ونفي الحكم عن كل فرد ليس من أصل الوضع، بل من قرائن خارجية هي تحريم الاختيال والكفر وإطاعة الحلَّاف المهين؛ وإذن فالآيات المذكورة مصروفةٌ عن ظاهرها بهذه القرائن الخارجية، وإلا فإن التركيب في ذاته بغض النظر عن القرائن لا يفيد العمومَ اطرادًا للقاعدة.
والأفضل من ذلك أن نقول:
إ ن القاعدة البلاغية ينبغي أن تبنى على الأغلب والأكثر، وألا تبنى على التعميم والإطلاق، وعبد القاهر عندما تحدث عن ألفاظ العموم وتقديمها على النفي، إنما