ومن شواهد عموم النفي أو عموم السلب قول أبي النجم:

قد أصبحت أم الخيار تدعي ... عليَّ ذنبًا كله لم أصنع

برفع كله على أنه مبتدأ خبرُه الجملة لم أصنع، وتقدم المسند إليه وهو من ألفاظ العموم على النفي؛ ليكون المعنى أنه لم يأتِ بشيء مما ادَّعت عليه هذه المرأة فهي من ثم متجنية، وهذا ما يقتضيه عموم السلب، وعلة إفادة عموم السلب أو شمول النفي عند تقدم أداة العموم لفظًا ورتبةً على النفي أنك إذا بدأتَ بأداة العموم كنت قد بنيت النفي عليها، وسلطت الكلية عليه وأعملتها فيه؛ وذلك يقتضي ألا يشذ عن النفي شيء؛ وهكذا يقدَّم المسند إليه لقصد إفادة النفي الشامل لجميع أفراده إذا كان من ألفاظ العموم مثل كل وجميع، وكان مصحوبًا بأداة نفي.

أما إذا تأخر المسند إليه على أداة النفي بأن وقعت أداة العموم في حيز النفي؛ أي: وقعت بعد النفي لفظًا ورتبةً أو رتبةً فقط لم يكن النفي عامًّا شاملًا، بل يفيد الكلام حينئذ ثبوت الحكم لبعض الأفراد دون بعض، كما يجوز أن يفيد النفي عن جميع الأفراد كالحالة الأولى، والمقام يضيء لنا في ذلك الكلام.

هذا ما يراه بدر الدين بن مالك.

أما الشيخ عبد القاهر فيرى أن النفي في هذه الحالة لا يكون إلا لبعض الأفراد دون بعض، وليس شاملًا لجميع الأفراد كالحالة الأولى؛ فلا فرقَ في ذلك بين أن تكون أداة العموم معمولة لأداء النفي أولًا، ولا بين أن تكون معمولة للفعل المنفي أولًا، ولا بين أن يكون الخبر فعلا أولًا؛ فالمدار في إفادة عموم شمول النفي على أن تقع أداة العموم بعد النفي لفظًا ورتبةً، مثل قول أبي الطيب المتنبي:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015