حاضرًا كما هو الأصل في الخطاب، وإنما المراد مطلق مخاطب على معنى أي فرد من أفراد هذا المطلق: أكرم فلانًا اللئيم أو أحسن إليه، وقابله فلان هذا بالإهانة والإساءة.
وفي هذا إشارة إلى أن سوء معاملة اللئيم لا يختص بها واحد دون آخر، ومن أجل ذلك كان الخطاب عامًّا يشمل كل مَن يمكنك خطابه.
وقد ذكر البلاغيون من شواهد هذه الخصوصية -أعني: إرادة العموم عند التعبير بضمير المخاطب- قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} (السجدة: 12) المراد بالخطاب هنا كل من يتأتى منه الرؤية للإشارة إلى أن حالة المجرمين في ذلك اليوم من تنكيس الرء وس خوفًا وخجلًا ورثاثة الهيئة واسوداد الوجه؛ وغير ذلك من سمات الخزي والخذلان المفادة من التصريح بتنكيس الر ؤ وس، ومن حذف جواب "لو" في الآية الكريمة، قد تناهت في الظهور والاتضاح والفظاعة لأهل المحشر، فلا يختص بها راء دون راء، بل كل من يتأتى منه الرؤيا داخل في الخطاب، بحيث لا يُختص بهذا الخطاب مخاطبٌ دون مخاطب ٍ.
وهذا معنى العموم الذي هو نكتة العدول بالخطاب عن أصل وضعه، وفي هذا التعميم المشعر بظهور حال المجرمين ظهورًا واضحًا، إشارةٌ أيضًا إلى التنفير والتحذير من سلوك المجرمين الذي أدَّى بهم إلى هذا المصير.
ومن قبيل العدول بضمير المخاطب عن أصل وضعه للعموم قوله - صلى الله عليه وسلم-: ((بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة))، فليس المراد بالمخاطبين هنا جماعة معينين، وإنما المراد كل فرد من المسلمين يتأتى منه التبشير هو مأمور أن يبشر هؤلاء المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة، وفي ذلك نهاية التكريم لهم وغاية الرضا عنهم.