المخاطب أن يكون مشاهَدًا حاضرًا كما تقتضي حقيقة الخطاب؛ لأن الخطاب توجيه الكلام إلى حاضر المشاهد، ومع ذلك قد يخرج الضمير عن هذا الأصل فيخاطَب به غيرُ المشاهد، والنكتة في ذلك تتمثل في الإشارة إلى أنه حاضر في القلب قريب من الخاطر كأنه نصب العين، مثل قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (الفاتحة:5: 7) ومثل قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ} (الأنبياء: 87) كما يخاطب به غير المعين بأن يراد مطلق مخاطب، وذلك حيث يراد تعميم الخطاب وتوجيهه إلى كل مَن يتأتَّى خطابُه، فالسر البلاغي في مثل هذا إرادة العموم، وإن الأمر المسند إلى ضمير المخاطب في الكلام مقصود به كل مَن يتأتى خطابه. مثل قول المتنبي:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

وقول بشار بن برد:

إذا أنت لم تشرب مرارًا على ال ظم ا ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه

وقول الشاعر:

إذا ما كنت ذا قلب قنوع ... فأنت ومالك الدنيا سواء

وقول الآخر:

إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها ... هوانًا بها كانت على الناس أهون

فليس المراد بالمخاطب في هذه الأبيات إنسانًا معينًا، بل المراد كل من يتأتى خطابه، والسر هو التعميم في الخطاب إشعارًا بأن الأمور المتحدث عنها لها من الثبات في نفسها ما يجعلها صالحة لأن يخاطب بها كل إنسان. ومن هذا القبيل قولك: فلان لئيم إذا أكرمته أهانك وإن أحسنت إليه أساء إليك، فليس المراد بالضمير في قولك: إن أكرمت وإن أحسنت مخاطبًا معينًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015