وأنا المنعمون إذا قدرنا ... وأنا المهلكون إذا أوتينا
وأنا الحاكمون بما أردنا ... وأنا النازلون بحيث شينا
وأنا التاركون لما سخطنا ... وأنا الآخذون لما هوينا
وانظر مثلا إلى قول الله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (طه:11: 14) فإنك تجد أن التعبير بضمير التكلم: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ}، {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ}، {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} أفاد من الإيناس والتلطف ما لا يفيده غيره خاصةً وأن الله -تبارك وتعالى- ينادي موسى أول مرة؛ فالمقام يحتاج إيناسًا وتلطفًا، وخذ مثلًا قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9) وتأمل إيثاره التعبير بضمير التكلم: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا} (الإنسان: 23) {وَإِنَّا لَهُ} (يوسف: 11) وما وراء ذلك من تأكيد الحفظ وبث الطمأنينة في نفس المؤمن.
ثم تأمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)) وما وراء التعبير بصيغة التكلم عن الاعتداد بالنفس وتمام الثقة وبث الطمأنينة في نفوس المؤمنين، وكذا القول في بيت عمرو بن كلثوم:
ورثنا المجد قد علمت معد ... نطاعن دونه حتى يبينا
ونحن إذا عماد الحي خرت ... على الأحفاظ نمنع مَن بُلينا
إذ لا يخفَى عليك ما يكمن وراء التعبير بضمير التكلم في الأبيات من الفخر والاعتداد بالنفس.
ونرى مثل هذا في التعبير بضمير المخاطب عند خروجه عن أصله، حيث إنه وضع في الأصل لمعين كسائر المعارف، ولكن الأصل في المعين المقصود بضمير