هذا؛ وهناك من البلاغيين من عَدَّ اتباع الاستعمال الوارد عن العرب غرضًا يقتضي حذف المسند إليه كما في الأمثال نحو قولهم: رمية من غير رام؛ أي: هي رمية موفقة ممن لا يحسن الرمي، وحُذف المسند إليه وهو الضمير اتباعًا للاستعمال الوارد عن العرب. ونحو قولهم: شنشنة أعرفها من أخذم؛ أي: هي شنشنة، والشنشنة: الطبيعة والعادة، وأخذ م: ابن قائل المثل وكان عاقًّا لأبيه -والعياذ بالله- فلما مات أخذم تواثب أبناؤه على جدهم وأوسعوه ضربًا حتى أدموه فأنشد:

إن بني أدرجوني بالدم ... من يلقَى آساد الرجال يكلم

ومن يكن رِدءًا له يقدم ... شنشنة أعرفها من أخذم

أي: ضربهم إياه خَصلةً وعادةً يعرفها من أبيهم أخذ م فذهب الشطر الأخير مثلًا.

وكما في النعت المقطوع إلى الرفع لقصد إنشاء المدح مثل: الحمد لله أهل الحمد، والتقدير هو أهل الحمد؛ قياسًا على قول العرب: الحمد لله الكريم، أو لقصد الترحم مثل: اللهم ارحم عبدك المسكين، أو لقصد إنشاء الذنب مثل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والتقدير هو، وقد اعترض على هؤلاء بأن الحذف في مثل هذه المواطن ذاتي أوجبته اللغة العربية، فكيف نجعل الموجب له سرًّا بلاغيًّا؟

فأجابوا: لأن الحذف مع وجوبه من ناحية اللغة لا يُصار إليه إلا لغرض بلاغي يقتضيه، فلو أخذنا بظاهر ما يفهم من كلامهم لجعلنا رفع الفاعل ونصب المفعول لغرض بلاغي كذلك؛ ولذا علَّق على ردهم هذا الشيخ عبد المتعال الصعيدي - رحمه الله - فقال: وهو جواب ظاهر الضعف؛ لأنه لا معنى لتوقف الحذف عن الغرض البلاغي مع وجوبه في ذاته، إذ لا بد منه، وُجد هذا الغرض أم لم يوجد. ذكر ذلك في تحقيقه على (الإيضاح) في كتاب البغية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015