وعند التأمل ندرك أن النجاسة هنا التي يخشَى منها على المسند إليه لجريانه على اللسان أو يخشى على اللسان منها لذكره المسند إليه، أمر اعتباري افتراضي يهدف إلى الإشعار بالتعظيم أو التحقير، ولذلك عبَّر الخطيب القزويني بكلمة الإبهام عند ذكره هذا الغرض من أغراض حذف المسند إليه فقال: وأما لإيهام أن في تركه تطهيرًا له عن لسانك وتطهيرًا للسانك عنه.
ومن الحذف لصون المسند إليه عن اللسان؛ تعظيمًا له قول الشاعر:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجذع ثاقبه
نجوم سماء كلما انقض كوكب ... بَدَا كوكب تأوي إليه كواكبه
والأصل هم نجوم سماء، فحذف المسند إليه؛ لصونه عن اللسان تعظيمًا له، ومثله قول الآخر:
وعلمت أني يوم ذاك منازل كعبًا ونهدًا ... قوم إذا لبسوا الحديد تنمروا حِلقًا وقدًّا
والأصل هم قوم، فحذف المسند إليه لصونه عن اللسان؛ تعظيمًا له، ومن هذا القبيل قولك: رافع راية التوحيد مقوض دعائم الشرك تريد نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم -.
ومن الحذف لصون اللسان عن ذكر المسند إليه تحقيرًا له قول بعض العرب في ابن عم له موسر سأله فمنعه، وقال: كم أعطيتك مالي وأنت تنفقه فيما لا يعنيك، والله لا أعطينك، فتركه حتى اجتمع القوم في ناديهم وهو فيهم، فشكاه إلى القوم وذمه، فوثب إليه ابن عمه فلطمه فهجاه قائلًا:
سريع إلى ابن العم يلطم وجهه ... وليس إلى داع النَّدى بسريع
حريص على الدنيا مضيع لدينه ... وليس لما في بيته بمضيع