ولما كانت معرفة البلاغة متوقفة على معرفة الفصاحة لكونها مأخوذة في تعريف البلاغة، وجب علينا البدء بالتعرف على ملامح الفصاحة، ولما كانت لابن سنان الخفاجي المتوفى سنة 466 قدم راسخة في معرفة حقيقة الفصاحة، وجعلها معيارًا نقديًّا أصيلًا من المعايير البلاغية والنقدية من خلال كتابه (سر الفصاحة) فقد وجب علينا أيضًا معرفة ما أتحف به العربية من لطائف نقدية في هذا المجال؛ لنؤكد الصلة الوثيقة بين كل من الفصاحة والبلاغة من جهة، والنقد الأدبي الأصيل من جهة أخرى، ولننهي العزلة التي فرضها المتأخرون من البلاغيين على البلاغة العربية.
وإليك ما قاله ابن سنان الخفاجي في هذا المجال، أورد ابن سنان الخفاجي في كتابه (سر الفصاحة) أن الفصاحة لغة: هي الظهور والبيان، ومنها قولهم: أفصح اللبن، إذا انجلت رغوته، وفصح فهو فصيح، قال الشاعر:
وتحت الرغوة اللبن الفصيح
وقال: "أفصح الصبح إذا بدا ضوءه، وأفصح كل شيء إذا وضح، وفي الكتاب العزيز: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ} (القصص: 34) وفصح النصارى: عيدهم، وقد تكلمت به العرب، قال حسان بن ثابت:
ودنا الفصح فالولائد ينظمن ... سراعًا أكلّة المرجان
قال: ويجوز أن يكون ذلك لاعتقادهم أن عيسى -عليه السلام- ظهر فيه. ولكن صاحب (البغية) يرى أن هذه الكلمة عبرية لا عربية، وهي بمعنى الصفح؛ لأن الله تعالى صفح في يوم هذا العيد عن بني إسرائيل، وأخرجهم مع موسى -عليه السلام- من مصر