وسمي الفصيح فصيحًا كأنهم سموه بيانًا؛ لإعرابه عما عبر به عنه، وإظهاره له إظهارًا جليًّا، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((أنا أفصح العرب بيد أني من قريش)) ". ثم فرق ابن سنان بين الفصاحة والبلاغة بأن الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ، ولكن البلاغة لا تكون إلا وصفًا للألفاظ مع المعاني، فلا يقال في كلمة واحدة لا تدل على معنى يفضل عن مثلها: بليغة، وإن قيل فيها: فصيحة. وكل كلام بليغ فصيح، وليس كل فصيح بليغًا، كالذي يقع فيه الإسهاب في غير موضعه؛ أي في غير موضع الإسهاب؛ لأن البلاغة -كما سنذكر- تزيد عن الفصاحة بأن بها مطابقة مقتضى الحال.

ثم بين ابن سنان أن الناس قد حدوا البلاغة بحدود، إذا حققت كانت كالرسوم والعلائم وليست حدودًا صحيحة، كقول بعضهم في تعريف البلاغة مثلًا: لمحة دالة. وقول آخر: البلاغة معرفة الفصل من الوصل. وقول آخر: البلاغة أن تصيب فلا تخطئ، وتسرع فلا تبطئ. وقول من قال: البلاغة اختيار الكلام وتصحيح الأقسام. ثم بدا الكلام على شروط لفصاحة اللفظة المفردة وفصاحة الألفاظ المنظومة بعضها مع بعض، فأورد ابن سنان شروطًا لفصاحة اللفظة المفردة، وجعلها أيضًا شروطًا لفصاحة الألفاظ المنظومة بعضها مع بعض، بعد أن عقد صلة وثيقة بين الفصاحة والبلاغة من جهة، وبين النقد الأدبي من جهة أخرى، وهذه الشروط هي ما يلي:

أولًا: أن يكون تأليف اللفظة من حروف متباعدة المخارج؛ لأن الحروف التي هي أصوات تجري في السمع مجرى الألوان من البصر، ولا شك أن الألوان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015