قيمته البلاغية: هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصد عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجد أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانًا إذا لم تبِن.
انتهى من كتابه (الدلائل).
2 - يحذف المسند إليه أيضًا لضيق المقام بسبب شعر أو ضجر أو شدة أو حزن أو ألم أو خوف فوات فرصة، فإن المتكلم إذا كان على شيء من ذلك عمد إلى الإيجاز بحذف المسند إليه، أما المقام في مثل هذه السياقات يضيق بذكره فيقتضي حذفه، تأمل مثلًا قول القائل للصياد: غزال، والأصل هذا غزال، ولكنه حذف المسند إليه لضيق المقام حتى تفوت الفرصة لصيده، وعلى هذا قول المستغيث: حريق أو غريق، والأصل هذا حريق أو هذا غريق، فضيق المقام بسبب خوف فوات فرصة الإنقاذ اقتضى حذف المسند إليه والمبادرة بذكر المسند.
ومن الحذف لضيق المقام بسبب الحذف والألم والشدة والضجر قول الشاعر:
قال لي كيف أنت قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل
والأصل أنا عليل، وحالي سهر دائم وحزن طويل، لكن ضيق المقام بالنظر لما عليه الشاعر من حزن وضجر بسبب العلة والمرض اقتضى حذف المسند إليه، وفي مثل هذا البيت يمكن أن يكون ضيق المقام بسبب آخر، وهو المحافظة على وزن الشاعر مع السبب المذكور آنفًا؛ لأن النكات البلاغية لا تتزاحم كما يقولون.
وعلى هذا النمط جاء قول المتنبي عندما أصابته الحمى:
وملني الفراش وكان جنبي ... يمل لقاؤه في كل عام
عليل الجسم -يقصد: أنا عليل الجسم- ممتنع القيام ... شديد السكر من غير المدام