والأصل أنا عليل الجسم أنا ممتنع القيام أنا شديد السكر من غير المدام، لكن المتنبي حذف المسند إليه؛ لأن العليل يثقل عليه الكلام، فهو نازع إلى الإيجاز دائمًا لضيق صدره عن إطالة الكلام؛ بسبب ما يعتريه من توجع وضجر.
وهكذا نلحظ أن ضيق المقام المفضي للحذف يرجع غالبًا إلى ضيق صدر المتكلم؛ نظرًا لما يحسه من آلام أو استغراب واستبعاد لما يُلقَى عليه من أخبار.
كما نراه في قول السيدة سارة زوج سيدنا إبراهيم - عليه السلام - عندما دخل الملائكة المكرمون على زوجها وبشروه بأنه سيولد له ولد غزير العلم، هو إسحاق - عليه السلام - قال القرآن عنها: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} (الذاريات: 29) لم تقل: أنا عجوز، أنا عقيم؛ لما كانت تحسه من ضيق صدرها عن الإطالة في الكلام بسبب مانتابها من استغراب وتعجب واستبعاد؛ نظرًا لما كانت عليه من عقم وما لحقها ولحق زوجها من كبر.
3 - ثالث أسرار حذف المسند إليه: اختبار تنبه السامع أو اختبار مقدار تنبهه ومبلغ ذكائه؛ ذكر البلاغيون أن من دواعي حذف المسند إليه: إرادة اختبار تنبه السامع عند وجود القرينة الواضحة، مثل أن يزورك رجلان سبقت لأحدهما صحبة لك فتقول لمن معك العالم بهذه الصحبة: وفي، تريد: الصاحب وفي، فتحذف المسند إليه اختبارًا لهذا السامع؛ أي: يتنبه إلى أن المسند إليه المحذوف هو الصاحب بقرينة ذكر الوفاء، إذ هو المناسب لمعنى الصحبة والصداقة أم لم يتنبه.
4 - كما ذكروا من الدواعي كذلك إرادة اختبار مقدار هذا التنبه عند وجود القرينة الخفية، كأن يزورك رجلان أحدهما أقدم صحبةً من الآخر فتقول لمن معك العالم بهذه الصلة: جدير بالإحسان، تريد أقدمهما صحبةُ جديرٌ