يقول الخطيب القزويني في بداية حديثه عن دواعي حذف المسند إليه: أما حذفه فإما لمجرد الاختصار والاحتراز عن العبث بناء على الظاهر. ذكر ذلك في (الإيضاح) ولنتأمل معًا قول الشاعر:
جزى الله عني صالحًا بوفائه ... وأضعف أضعافًا له في جزائه
صديق إذا ما جئت أبغيه حاجة ... رجعت بما أبغي ووجهي بمائه
نجد أن الأصل هو صديق، فحذف المسند إليه لدلالة البيت السابق عليه، وصار المحذوف في حكم المعلوم لوجود القرينة الدالة، ولا شك أن الكلام بحذف المسند إليه أوجز مما لو قال: هو صديق، ولو ذكر لأورث الكلام ثقلًا وترهلًا وتطويلًا ينأَى به عن الإيجاز، ويجعله في نظر البليغ عبثًا ينبغي أن يبعد عن كلام البلغاء، كما أن حذف المسند إليه جاء على خلاف الأصل فتتشوف النفس إلى ذكر الموجب له، وفي ذلك دفع إلى إعمال الفكر وتنشيط العقل وإثارة الحس؛ حتى يكشف السامع أسرار الحذف معولًا على عقله، ويدرك المراد من المعاني معتمدًا على نفسه، وحين يقع على مطلوبه منها يكون ذلك أمكن وأرسخ في نفسه من المعاني التي يجدها واضعةً من ظاهر اللفظ؛ لأن المحصول بعد التعب أعز من المنساق بلا طلب.
هذه أسرار ثلاثة. ويمكن أن نضيف إليها غرضًا رابعًا للح ذف متمثلًا في المحافظة على وزن الشعر. هذا ومن تتبع مواطن الحذف يجد أن الأسرار الثلاثة الإيجاز والاحتراز عن العبث والحث على إعمال الفكر وإثارة الحس، تكمن وراء كل حذف، وليست مقصورة على حذف المسند إليه، وما أكثر ما يفيده الحذف عند تأمله من أسرار ونكات يدركها المتذوق بقلبه ولُبه، وإن لم يفصح عنها بلفظه ولسانه ورحم الله عبد القاهر الجرجاني حين قال منوهًا بشأن الحذف ومبرزًا