دليل كان الحذف جائزًا؛ لأن المحذوف حينئذٍ في حكم المعلوم لوجود القرينة الدالة عليه، كما أن الذكر يكون جائزًا أيضًا؛ لأنه الأصل كما يقتضي العقل والإعراب، ومما ينبغي أن يُعلم أن البلاغة لا تدلي بدلوها في الكلام إلا بعد صحته لغةً، فما منعته اللغة أو أوجبته لا يكون للاعتبارات البلاغية فيه مجال.
ومن هنا يتضح أن الحذف الممنوع؛ انعدام القرينة والذكر المتعين لذلك لا تنظر إليهما البلاغة، وإنما محط نظرها هو جواز كل من الحذف والذكر لغةً لوجود القرينة، فإذا وجد بعد ذلك سر بلاغي يطلب الحذف ويرجحه على الذكر، صارت البلاغة في الحذف، وإذا وجد داع بلاغي يوجب الذكر ويستدعيه ونُكتة تتطلبه وتقتضيه كانت البلاغة في الذكر.
وهذه بعض الدواعي والأسرار التي تقتضي حذف المسند إليه نعرضها فيما يلي:
أولها: الاختصار والاحتراز عن العبث بِناءً عن الظاهر، فإن الكلام الذي يحذف منه المسند إليه أخصر وأوجز من نظيره الذي يذكر فيه المسند إليه، كما أن المسند إليه الذي علم من القرينة والسياق ولم يوجد سر بلاغي يقتضي ذكره يصبح ذكره حينئذٍ بمثابة الزيادة التي لا قيمةَ لها، فحذفه يصون الكلام ويبعده عن العبث من منظور البلاغة، التي ترى أن ذكر الشيء المعلوم الذي لا يظهر لذكره فائدة يعد عبثًا يتسامَى عنه كلام البلغاء.
والأصل أن ذكر المسند إليه ليس عبثًا في الحقيقة، وإن كان ذكر المسند إليه ليس عبثًا في الحقيقة والواقع؛ لأنه ركن من الكلام، ولذلك جعل البلاغيون العبث المحترز عنه مبنيًّا على ظاهر الكلام المشتمل على القرينة الدالة فقط لا على الحقيقة والواقع.