حيث أفاد الإسناد في السقي إلى خروق المسامع؛ تأكيدًا لهذه السببية بجعلها فاعلًا أن تحمله على الاستعارة المكنية، إ ذ لا معنى ل تشبيه هـ الخروق ب ال ساق ي، وليس هذا مراد الشاعر، بل مراده أن ذِكر قومه ونباهة شأنهم وصِيتهم البعيد الذي ملأ الأسماع كان سببًا قويًّا في أن أفسح الناس لهذه الإبل، وبالغ في هذه السببية حين أسند الفعل إلى سببه؛ تأكيدًا لهذا المعنى، وقِس على هذا البيت غيره كما في قول الآخر مثلًا:
وكل امرئ يولي الجميل محبب ... وكل مكان ينبت العز طيب
ف فعل ينبت أسند إلى ضمير يعود إلى مكان، فهو من قبيل إسناد الفعل إلى مكانه، ولا يعقل أن يكون الكلام فيه على التشبيه حتى نعتبره استعارةً مكنية ً؛ إذ لا معنى ل تشبيه المكان بالفاعل الحقيقي، والفيصل في ذلك هو الذوق السليم والحس اللغوي المرهف، أما قول الهذلي:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع
فإنك تستطيع بسهولة ويسر أن تدرك المشابهة بين الطرفين المنية والسبع في اغتيال النفوس بالقهر والغلبة، فهو من قبيل الاستعارة بالكناية؛ لأنها تقوم على علاقة المشابهة، فرأي السكاكي هنا بعيد عن الصواب لما فيه تجاهل للفروق الدقيقة بين الأساليب والخصوصيات الواضحة لكل منها؛ ولذلك رد عليه الخطيب وناقشه مناقشة قوية حيث قال: وفيما ذهب إليه -أي: السكاكي- نظر؛ لأنه يستلزم أن يكون المراد بعيشة في قوله تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} (الحاقة: 21) صاحب العيشة لا العيشة، وبماء في قوله: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} (الطارق: 6) فاعل الدفق لا المني، وألا تصح الإضافة في نحو قولهم: فلان نهاره صائم وليله قائم؛ لأن المراد بالنهار على هذا فلان نفسه، وإضافة الشيء إلى