الحقيقي بواسطة المبالغة في التشبيه على ما عليه مبنَى الاستعارة، وجعل نسبة الإنبات إليه قرينة للاستعارة وبجعل الأمير المدبر لأسباب هزيمة العدو استعارةً بالكناية عن الجند ي الهازم، وجعل نسبة الهَزْم إليه قرينة للاستعارة، ومعنى ذلك: أنه يشبه الربيع بالفاعل الحقيقي وهو الحي القادر، ثم يدعي أن الربيع قادر مختار، ثم يطلق لفظ المشبه الادعائي وهو الربيع الذي ادعى أنه قادر مختار على المشبه به؛ أي: الحي القادر على سبيل الاستعارة بالكناية.
ف المجاز لغوي من وجهة نظره ولا مجاز في الإسناد، وهكذا صار المجاز كله لغويًّا عند السكاكي، والذي دفعه إلى ذلك -كما قال- رغبته في تقليل الأقسام، تلك الرغبة التي دفعته أيضًا إلى رد الاستعارة التبعية إلى المكنية، والرغبة في تقليل الأقسام أمر مقبول في مجال البحث والدرس، بشرط ألا يكون ذلك على حساب الخصوصيات والفوارق الدقيقة بين الطرق المختلفة، والحق أن المجاز العقلي طريقه غير طريق الاستعارة بالكناية؛ لأنها تقوم على علاقة المشابهة كغيرها من الاستعارات بخلاف المجاز العقلي؛ إذ تكفي فيه الملابسة بين الفعل وفاعله المجازي أو بين الفاعل الحقيقي والفاعل المجازي؛ لتعلق الفعل بكل منهما، وعلاقة المشابهة لا تكفي فيها هذه الملابسة وإنما تتحقق بين طرفين يشتركان في صفة هي أخص صفات المشبه به، وقد جرى العرف على أن يشبه به من أجلها، وتعورف كونها أصلًا فيه كالشجاعة في الأسد والحسن في البدء والمضاء في السيف وهكذا.
فالمجاز العقلي إذن طريق من طرق التعبير والاستعارة المكنية طريق آخر، ولكل منهما مقام يقتضيه وموقف يناسبه، والمتذوق للأساليب المجازية يلمس الفرق واضحًا بين هذين النوعين، فأنت لا تستطيع مثلًا في قول الفرزدق:
سقاها خروق في المسامع لم تكن ... علاطًا ولا مخلوطة في الملاغم