ربحوا في تجارتهم، وقد يكون خفيًّا لا يظهر إلا بعد نظر وتأمل كما في قولك: سرتني رؤيتك؛ أي: سرني الله وقت رؤيتك، وكما في قولك: أقدمني بلدك حق لي على فلان؛ أي: أقدمتني نفسي بلدك لأجل حق لي على فلان؛ أي: قدمت لذلك، ونظيره: محبتك جاءت بي إليك؛ أي: جاءت بي نفسي إليك لمحبتك.

وهذا رد على الإمام عبد القاهر في رده السابق وقد علمت مراده، وهو لا ينازع في أن كل فعل لا بد له من فاعل، ولكنه استقرأ النصوص واحتكم إلى واقع الأساليب المجازية، فوجد أن بعضها يسهل الرجوع به إلى الحقيقة بإسناد الفعل إلى فاعله الحقيقي، وبعضها لا نستطيع أن نقدر له فاعلًا حقيقيًّا نقل عنه الإسناد إلى الفاعل المجازي؛ لأن العرف لم يجرِ بالاستعمال الحقيقي، وإنما جرى بالاستعمال المجازي وشاع هكذا على ألسنة الناس.

هنا نلحظ أن السكاكي يمنع المجاز العقلي على الإطلاق على الرغم من أنه عرف المجاز العقلي في كتاب (مفتاح العلوم) بقوله: والكلام يفاد به خلاف ما عند المتكلم من الحكم فيه لضرب من التؤول إفادةً للخلاف لا بواسطة وضع؛ كقولك: أنبت الربيع البقل وشفَى الطبيب المريض.

وبعد أن عرَّفه وشرح التعريف، وأخرج المحترزات، أعلن رأيه في هذا النوع من المجاز، حيث أنكره واختار جعله من باب الاستعارة بالكناية، ولعلك تسأل: إذا كان السكاكي قد أنكر المجاز العقلي فلماذا عرفه ومثَّل له وبين حده؟

والجواب: أنه فعل ذلك مجاراةً للأصحاب الذين تعرضوا له، وكأنه يقول لهم: إن كان ولا بد من القول به فهو عندي كذا وكذا. يقول السكاكي: والذي عندي نظمه في سلك الاستعارة بالكناية كجعل الربيع استعارة بالكناية عن الفاعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015