وقوله تعالى في شأن المنافقين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} (البقرة: 16) فالتجوز هنا في إسناد الربح إلى التجارة؛ لأن التجارة لا تربح، وإنما الذي يربح هو التاجر بسبب التجارة، فحقيقة الإسناد كما ربحوا في تجارتهم، لكن لما كانت التجارة هي السبب في الربح أسند الفعل إليها على سبيل المجاز العقلي، والجملة منفية بـ"ما" -كما ترى - وعلى ذلك يكون قولك: ما سار الطريق، وما جرى النهر، وما بنى الأمير المدينة، وما جد جده، كل هذه الأمثلة المنفية من قبيل المجاز العقلي في النسب المنفية.

وعلى نحو ما يتحقق المجاز العقلي في النسب المثبتة والمنفية، فإنه يتحقق كذلك في النسب الإنشائية؛ فمما ينبغي الإشارة إليه في هذا المقام أن المجاز العقلي ليس مختصًّا بالخبر كما قد يفهم من ذ كره ضمن أحوال الإسناد الخبري، وإنما يجري أيضًا في الإسناد الإنشائي ب مختلف علاقاته مثل قولك: صام نهار العابد وقام ليله، تستطيع أن تقول: ليصم نهار ك وليقم ليل ك، على إسناده إلى الزمان وهو من صيغ الأمر، وفي قولك: جرى النهر تقول: هل جرى النهر وليت النهر يجري على إسناده إلى المكان، وهو من صيغ الاستفهام في الأولى والتمني في الثانية.

ف هذه أمثلة للمجاز العقلي في الإنشاء وم نه قوله تعالى: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} (غافر: 36) فرعون يطلب من وزيره هامان ذلك، وهامان لا يبني بنفسه وإنما يأمر العمال بالبناء ف أسند إليه الفعل ابني؛ لأنه سبب فيه، فهذا من المجاز العقلي في الأساليب الإنشائية، حيث أسند فعل الأمر إلى غير ما حقه أن يسند إليه، وعلى ذلك يمكن القول: بأن جميع الملابسات التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015