عرفناها في الإسناد الخبري ترِد أيضًا في الإسناد الإنشائي أمرًا ونهيًا واستفهامًا وتمنيًا، فالمجاز العقلي يجيء في الإنشاء كما يجيء تمامًا في الخبر؛ لأنه حالة من أحوال الإسناد في الكلام، والكلام إما خبر وإما إنشاء كما هو معلوم.

وهنا سؤال يفرض نفسه: هل لكل مجاز عقلي حقيقة؟

نقول: إنه باستقصاء أمثلة المجاز العقلي وشواهده نجد أن الكثير منها يمكن الرجوع به إلى أسلوب الحقيقة، وذلك بإسناد الفعل إلى فاعله الحقيقة، فيعود الفاعل المجازي إلى مكانه الأصلي قبل التجوز سببًا للفعل أو زمانًا أو مكانًا أو مصدرًا، إلى غير ذلك من الملابسات الذي تحدثنا عنه، وفي قولك: صام نهار العابد، وقام ليله، وجرى النهر، وسار الطريق، وربح تجارته، تقول: صام العابد نهاره وقام ليله، وجرى الماء في النهر، وسار الناس في الطريق، وربح التاجر في تجارته، وهذا أمر ميسور. غير أن الكلام يفقد روعته ومزيته التي اكتسبها في الإسناد المجازي. ثم إن هناك تراكيبَ مجازية يصعب على المتكلم أن يعود بها إلى أصلها في الحقيقة، إذ لم يجر العرف بإسناد الفعل فيها إلى الفاعل الحقيقة، وقد فطن الإمام عبد القاهر إلى ذلك، فذهب إلى أنه لا يجب أن يكون لكل فعل في المجاز العقلي فاعل في التقدير إذا أسند الفعل إليه صار حقيقة.

يقول الإمام عبد القاهر في (الدلائل): واعلم أنه ليس بواجب في هذا أن يكون للفعل فاعل في التقدير إذا أنت نقلت الفعل إليه عدت به إلى الحقيقة، مثل أنك تقول في: {رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ}: ربحوا في تجارتهم، وفي يحمي نساءنا ضرب: نحمي نساءنا بضرب، فإن ذلك لا يتأتى في كل شيء، ألا ترى أنه لا يمكن أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015