وقول الآخر:

سالت عليه شعاب الحي حين دَعا ... أنصاره ب وجوه كالدنانير

ففي إسناد السيلان إلى الأباطح وإلى شعاب الحي مجاز عقلي علاقته المكانية، والمسند سال مجاز لغوي حيث استعير السيلان بالسيل، ولا يخفى عليك بلاغة المجاز في البيتين، وقد أبرز شدة ان دفاع المطي في الأباطح وسرعة اندفاع الأنصار إلى الداعي، وكأن الشعاب قد فاضت بهم ودفعتهم إليه، وكأن الأباطح هي التي تسيل وتمضي إلى الإبل، وما من شك في أن المجاز اللغوي قد ساهم في تحقيق هذه المبالغة بنصيب وافر.

رابع هذه الأقسام: أن يكون المسند حقيقةً والمسند إليه مجازًا لغويًّا مثل: أنبت البقلَ شبابُ الزمان، فالإنبات مستعمل في معناه الحقيقي وشباب الزمان مجاز لغوي عن الربيع كما عرفت آنفًا.

وهكذا تستطيع أن ترد صور المجاز العقلي إلى هذه الأنواع الأربعة، ف هي لا تخرج في كل أحواله عن واحد منها.

وكما يجيء المجاز العقلي في النسب المثبتة فإنه يجيء أيضًا في النسب المنفية، هذا موضع سؤال: هل يتأكد مجاز العقل في النسب المنفية؟ نقول: نعم، ولا فرقَ في ذلك بين حالتي الإثبات والنفي، فإذا قلت في شأن العابد: صام نهاره بإسناد الفعل إلى زمانه على سبيل المجاز العقلي، فإن قولك في شأن غيره: ما صام نهاره بالنفي، يكون أيضًا من المجاز العقلي التي علاقته الزمانية، فأنت لا تجري في النفي إلا على الطريقة التي جريت عليها في الإثبات، من الحقيقة أو المجاز. ومن ذلك قول الشاعر:

لقد لمتننا يا أم غَيلان في السرى ... ونمتِ وما ليل المطي بنائم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015