وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْحِكَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ فَجَائِزٌ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ فَبَاطِلٌ. حَكَاهُ الصَّيْرَفِيُّ. وَقَالَ: وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِبُطْلَانِهِ فِي عِلَّتِهِ، فَقِيلَ: إمْكَانُ الْخَطَأِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ اسْتِحَالَةُ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ إلَّا بِلُقْيَا الْكُلِّ، وَتَوَاتُرِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي إجْمَاعِ الْخَاصَّةِ، أَمَّا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ، فَلَيْسَ بِمَوْضِعِ الْخِلَافِ. قُلْت: وَلَوْ عَكَسَ هَذَا لَمْ يَبْعُدْ.
[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ] فِي إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ، فَاخْتَلَفُوا فِي إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ. فَمَنَعَهُ قَوْمٌ لِاتِّسَاعِ خُطَّةِ الْإِسْلَامِ، وَانْتِشَارِهِمْ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَتَهَاوُنِ الْفَطِنِ، وَتَعَذُّرِ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ فِي تَفَاصِيلَ لَا تَتَوَافَرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا، وَلِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِبَقَاءِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ إلَى أَنْ يَفْنَى الْآخَرُ. وَالصَّحِيحُ إمْكَانُهُ عَادَةً، فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَى الشَّبَهِ خَلْقٌ كَثِيرُونَ زَائِدُونَ عَلَى عَدَدِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَالْإِجْمَاعُ عَلَى الْحَقِّ مَعَ ظُهُورِ أَدِلَّتِهِ أَوْلَى. نَعَمْ، الْعَادَةُ مَنَعَتْ اجْتِمَاعَ الْكَافَّةِ، فَأَمَّا الْخَلْقُ الْكَثِيرُ فَلَا تَمْنَعُ الْعَادَةُ اتِّفَاقَهُمْ بِوَجْهٍ مَا.
وَاشْتَدَّ نَكِيرُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ أَنْكَرَ تَصَوُّرَ وُقُوعِهِ عَادَةً، وَفَصَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَيْنَ كُلِّيَّاتِ الدِّينِ. فَلَا يَمْنَعُ مِنْ تَصَوُّرِ الدَّوَاعِي الْمُسْتَحَثَّةِ، وَكَمَا صَوَّرَهُ الْقَاضِي فِي اجْتِمَاعِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ، وَبَيْنَ الْمَسَائِلَ الْمَظْنُونَةِ مَعَ تَفَرُّقِ