إلَيْهِ فَإِنِّي أَفْنَيْت الْعُمُرَ فِي اسْتِخْرَاجِهَا مِنْ الْمُخَبَّآتِ، وَاسْتِنْتَاجِهَا مِنْ الْأُمَّهَاتِ، وَاطَّلَعْت فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَحْسُرُ عَلَى غَيْرِي مَرَامُهُ، وَعَزَّ عَلَيْهِ اقْتِحَامُهُ، وَتَحَرَّزْت فِي النُّقُولِ مِنْ الْأُصُولِ بِالْمُشَافَهَةِ لَا بِالْوَاسِطَةِ، وَرَأَيْت الْمُتَأَخِّرِينَ قَدْ وَقَعَ لَهُمْ الْغَلَطُ الْكَثِيرُ بِسَبَبِ التَّقْلِيدِ، فَإِذَا رَأَيْت فِي كِتَابِي هَذَا شَيْئًا مِنْ النُّقُولِ، فَاعْتَمِدْهُ فَإِنَّهُ الْمُحَرَّرُ الْمَقْبُولُ. وَإِذَا تَأَمَّلْتَهُ وَإِسْعَافَهُ وَجَدْتَهُ قَدْ زَادَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُتُبِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَضْعَافَهُ. وَقَدْ أَحْيَيْت مِنْ كَلَامِ الْأَقْدَمِينَ خُصُوصًا الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، مَا قَدْ دَرَسَ، وَأَسْفَرَ صَبَاحُهُ بَعْدَ أَنْ تَلَبَّسَ بِالْغَلَسِ. وَلَقَدْ كَانَ مَنْ أَدْرَكْت مِنْ الْأَكَابِرِ يَقُولُ: مَسَائِلُ أُصُولِ الْفِقْهِ إذَا اُسْتُقْصِيَتْ تَجِيءُ نَحْوَ الثَّمَانِمِائَةِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا إلَى الثَّمَانِيَةِ آلَافٍ وَأَزْيَدَ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى مَا ذَكَرَهُ، وَتَتَضَاعَفُ عِنْدَ التَّوْلِيدِ وَالنَّظَرِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَصَلَوَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمَخْلُوقِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَعِتْرَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ الطَّاهِرِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.