الْعُلَمَاءِ وَانْتِفَاءِ الدَّوَاعِي فَلَا تُتَصَوَّرُ عَادَةً، وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا يَقْتَضِي إنْكَارَهُ، قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ، لَعَلَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا، وَلَكِنْ يَقُولُ: لَا يَعْلَمُ النَّاسُ اخْتَلَفُوا إذْ لَمْ يَبْلُغْهُ. قَالَ أَصْحَابُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْوَرَعِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خِلَافٌ لَمْ يَبْلُغْهُ، أَوْ قَالَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِخِلَافِ السَّلَفِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَدْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَأَجْرَاهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: أَرَادَ غَيْرَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عِنْدَهُ حُجَّةٌ مَعْلُومٌ تَصَوُّرُهُ. أَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَقَدْ كَثُرَ الْمُجْتَهِدُونَ، وَانْتَشَرُوا. قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ الْحَدِيثَ فَيُعَارَضُ بِالْإِجْمَاعِ، فَيَقُولُ: إجْمَاعُ مَنْ؟ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ إجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ؟ حَتَّى قَالَ: ابْنُ عُلَيَّةَ وَالْأَصَمُّ يَذْكُرُونَ الْإِجْمَاعَ. وَجَعَلَ الْأَصْفَهَانِيُّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ: الْحَقُّ تَعَذُّرُ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْإِجْمَاعِ، لَا إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، حَيْثُ كَانَ الْمُجْمِعُونَ، وَهُمْ الْعُلَمَاءُ فِي قِلَّةٍ، أَمَّا الْآنَ وَبَعْدَ انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ، وَكَثْرَةِ الْعُلَمَاءِ، فَلَا مَطْمَعَ لِلْعِلْمِ بِهِ. قَالَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَحْمَدَ مَعَ قُرْبِ عَهْدِهِ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقُوَّةِ حِفْظِهِ، وَشِدَّةِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْأُمُورِ النَّقْلِيَّةِ. قَالَ: وَالْمُصَنِّفُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا خَبَرَ لَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ إلَّا مَا يَجِدُهُ مَكْتُوبًا فِي الْكُتُبِ، وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ