وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ هَذَا التَّعْرِيفِ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ " بِقَوْلِهِ: وَحَدُّهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِهَذَا الْمَعْنَى، فَقَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَجْهَلُوا حُكْمَ اللَّهِ.
تَنْبِيهٌ [الْعَبْدَرِيُّ يَرَى أَنَّ التَّعْرِيفَ السَّابِقَ غَيْرُ جَامِعٍ] قَالَ الْعَبْدَرِيّ: هَكَذَا رَسَمَ الْأُصُولِيُّونَ الْإِجْمَاعَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ، يُقَالُ عَلَى مَا هُوَ إجْمَاعٌ عَلَى الْعَمَلِ يَسْتَنِدُ الْحُكْمُ، أَيْ بِدَلِيلِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيُقَالُ: مَا هُوَ إجْمَاعٌ عَلَى اسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ، وَاَلَّذِي هُوَ إجْمَاعٌ عَلَى الْعَمَلِ بِمُسْتَنَدِ الْحُكْمِ يَنْقَسِمُ إلَى إجْمَاعٍ نُقِلَ مُسْتَنَدُهُ إلَى الْمُجْتَهِدِينَ، وَإِلَى إجْمَاعٍ دَرَسَ مُسْتَنَدُهُ فَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْهِمْ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ مُتَبَايِنَةٍ، فَيَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ رُسُومٍ.
الْمَبْحَثُ الثَّانِي فِي إمْكَانِهِ: وَقَدْ أَنْكَرَ قَوْمٌ إمْكَانَ الْإِجْمَاعِ مُطْلَقًا، وَشَبَّهُوهُ بِإِجْمَاعِ النَّاسِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَأْكُولٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا اسْتِبْعَادٌ بَاطِلٌ، وَالدَّوَاعِي وَالْمَآكِلُ مُخْتَلِفَةٌ قَطْعًا، بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ الْبَوَاعِثَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى طَلَبِهَا.