حَادِثَةٍ عَلَى أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ. فَخَرَجَ اتِّفَاقُ الْعَوَامّ، فَلَا عِبْرَةَ بِوِفَاقِهِمْ وَلَا خِلَافِهِمْ، وَيَخْرُجُ أَيْضًا اتِّفَاقُ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ. وَبِالْإِضَافَةِ إلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ خَرَجَ اتِّفَاقُ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى رَأْيٍ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِجْمَاعِ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ. وَقَوْلُنَا: بَعْدَ وَفَاتِهِ، قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى رَأْيِهِمْ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ فِي زَمَانِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَخَرَجَ بِالْحَادِثَةِ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَقَوْلُنَا: عَلَى أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ، يَتَنَاوَلُ الشَّرْعِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ وَالْعُرْفِيَّاتِ وَاللُّغَوِيَّاتِ. وَقَوْلُنَا: فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ؛ لِيَرْفَعَ وَهْمَ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُجْتَهِدِينَ مَنْ يُوجَدُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَهَذَا التَّوَهُّمُ بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ تَصَوُّرِ الْإِجْمَاعِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَصْرِ مِنَّا: مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَدَثَتْ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ، وَظَهَرَ الْكَلَامُ فِيهِ. فَهُوَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ، وَمَنْ بَلَغَ هَذَا بَعْدَ حُدُوثِهَا فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ.
هَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ الزَّجَّاجُ فِي كِتَابِهِ: الْبَيَانِ عَنْ أُصُولِ الْفِقْهِ " وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا.