أن الضرورة هي "ما وقع في الشعر مما لم يقع في النثر سواء أكان للشاعر غنه مندوحة أم لا"1.

ومذهب ابن مالك -وهو الصحيح عن سيبويه- أنها "ما ليس للشاعر مندوحة عنه"2. ويبين أثر هذا الخلاف فيما جاء في الشعر ووجدت فيه المندوحة، فالجمهور يقصره على السماع، وابن مالك يقيس عليه. "ولذلك أجاز وصل ال بالمضارع قليلًا، ولم يجعله ضرورة استدلالًا بقوله:

ما أنت بالحكم الترضى حكومته

لتمكنه من أن يقول: "المرضي حكومته"3. وحيث لم يقل ذلك مع الاستطاعة، ففي ذلك، أشعار بالاختيار وعدم الاضطرار"4.

وكأني بأصحاب المذهب الأول قد وسعوا في مدلول الضرورة، وأطلقوها دون قيد لتكون سيفًا مصلتًا، وسلاحًا يشهرونه في وجه كل بيت يخالف قواعدهم ويعجزون عن تخريجه؛ فيجدون المخلص في هذا الوصف السهل يلقونه دون نظر أو تفكير.

وكأن ذلك لم يكفهم فرموا بعض الأبيات بالضرورة، لا فرارًا من الإخلال بالوزن أو القافية، بل فرارًا من الزحاف، وهو ما تأباه النظرة الفاحصة المتأنية.

ولهذا نجد أبا العلاء المعري في كثير من كتبه -وقد كان ذا نظرة تحررية- يهاجم رأي الجمهور وينصر مذهب الأقلية، ولا يترك فرصة للذود عنه والانتصار له إلا انتهزها فهو يرى أن الزحاف لا يحمل الشاعر على ارتكاب ضرورة، فهو كثير في الشعر، وبخاصة في بعض الأوزان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015