المقدمة:
يتناول هذا الكتاب بالتأريخ الدراسات اللغوية عند العرب، منذ نشأتها المبكرة إلى أن وصلت إلى مرحلة النضج والكمال، ولا يتجاوز ذلك القرن الخامس الهجري بأي حال من الأحوال، ففي هذا القرن اكتملت الاتجاهات المعجمية، وفي القرن الذي قبله وصل الدرس النحوي والصرفي والأصواتي إلى قمته. ولم يعد ما تلا ذلك من الدراسات أن يكون ترديدًا أو شرحًا أو تلخيصًا أو نظمًا لأعمال سابقة.
ولم أتجاوز القرن الخامس إلا في حالة واحدة، هي أن أبدأ بالحديث عن اتجاه ما، ثم لا أجده ينتهي بانتهاء هذا القرن، فلم يكن هناك بد من السير بالاتجاه إلى نهايته. وقد حدث هذا -مثلًا- حين تتبعي للمدارس المعجمية، وحدث كذلك حين الكلام عن دعوات التجديد والإصلاح للنحو العربي.
ولما كان الحكم على العقلية العربية، وتقييم ما قدمته في ميدان الدراسات اللغوية من أبحاث ونظريات لا يكتمل إلا بمعرفة جهود السابقين والمعاصرين في نفس الميدان، رأيت أن أخصص فصلًا في الباب الأول لعلاج هذا الموضوع واخترت له عنوان "الدراسات اللغوية عند غير العرب".
وتسلم هذه الدراسة للأعمال اللغوية الأجنبية - إلى جانب الأعمال اللغوية العربية- إلى تساؤل يتعلق بمدى الصلة بين الجهدين، ومقدار ما قدمه كل طرف للآخر أو أخذه عنه. وقد أفردت لعلاج هذا الموضوع بابًا خاصًّا هو الباب الثالث الذي عالج قضية التأثير من جانبيها ولكن في إيجاز وتركيز.
ولست أزعم أن كل ما جاء في هذا الكتاب جديد، فبعضه -وهو قليل- لا جديد فيه على الإطلاق، ومعصه بعضه قديم وضع في ثوب جديد، وبعضه -وهو كثير- جديد بالنسبة للقارئ العربي.