وقد سبق في الفصل الثاني من الباب الأول أن عرضنا أهم جهود السريان اللغوية، فليرجع القارئ إليها ليكون على ذكر بها.

وممن يثبت التأثير السرياني الدكتور إبراهيم مدكور في مقاله السابق الإشارة إليه وفيه يقول: "من الثابت أن كتب أرسطو المنطقية ... كانت معروفة لدى السريان، وقد ترجمت إلى لغتهم قبل الإسلام. والمهم أنها ترجمت إلى اللغة العربية منذ النصف الأول من القرن الثاني الهجري ... فهي إذن ثروة جديدة نقلت إلى العالم العربي. ولا بد أنها قوبلت بما تستحق من تقديره إن من سيبويه أو من سبقه ممن اشتغلوا بالمسائل النحوية ... على أن هناك عملًا مشابهًا تم على مقربة من نحاة العرب الأول وهو وضع النحو السرياني.. في القرن السادس الميلادي ولا شك في أن هذا النحو قد تأثر بالنحو اليوناني ومنطق أرسطو. ومن بين واضعيه والمشتغلين به مترجمون اتصلوا بالعرب ونحاتهم وعاشوا معهم. فيعقوب الرهاوي لها شأنه في وضع النحو السرياني، وهو معروف في الأوساط العربية، وحنين بن إسحاق مترجم آخر معاصر للخليل وسيبويه ... ومن اليسير أن نتصور أنه قد تبادل.. مع الخليل بعض القواعد النحوية"1.

ويرى جورجي زيدان نفس الرأي إذ يقول: "والعرب يغلب على ظننا أنهم نسجوا في تبويب النحو على منوال السريان لأن السريان دونوا نحوهم، وألفوا فيه الكتب في أواسط القرن الخامس الميلادي على يد يعقوب الرهاوي ... ويؤيد ذلك أن العرب بدءوا في وضع النحو وهم بالعراق بين السريان والكلدان. وأقسام الكلام في العربية هي نفس أقسامه في السريانية"2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015