وعلى الرغم من وجود هذا الاحتمال بتأثير سرياني على النحو العربي، فلا يكفي -في نظرنا- أن يتخذ مجرد السبق الزمني، أو التجاور المكاني، أو التشابه الجزئي دليلًا على وجود تأثير وتأثر.
ويبدو أن أولئك المولعين برد كل ما هو عربي إلى أصل أجنبي هم من تلك الفئة من الباحثين التي تستكثر على العقلية العربية الاستقلال الفكري، وتنفي عنها الأصالة العلمية، ويبدو أيضًا أن أولئك الباحثين قد ظنوا أن النحو العربي قد ولد ناضجًا. لأنه جاءنا ناضجًا، فاتخذوا من ذلك دليلًا على نقله من نحو أمة أخرى.
وقد سبق أن رأينا أن النحو العربي قد مر بمراحل تطويرية كثيرة قبل أن يصل إلى مرحلة النضج، وأن الفترة الزمنية بين نشأة النحو وكتاب سيبويه تزيد على المائة عام. وهي كافية جدًّا لخلق نحو عربي ناضج متطور بدون النقل الحرفي من نحو آخر.
وإذا كنا قد ترددنا في إثبات الأثر السرياني على النحو العربي فيبدو أن هناك نقطتين لا مجال لإنكار أثر السريان فيهما على العرب وهما:
1- أقدم مثل لتأثير السريانية على العربية هو الأبجدية النبطية التي استعارها العرب لكتابتهم. والخط النبطي مشتق من الآرامي. والإملاء العربي القديم قريب من الإملاء الآرامي، ويظهر ذلك في الخط الكوفي.
2- نشأة الحركات الأعرابية في فجر الإسلام، التي ينسب وضعها إلى أبي الأسود الدؤلي، وهي في الحقيقة مأخذوة عن السريان. فقد استخدم أبو الأسود طريقة الشكل بالنقط وكانت إحدى طرق الشكل عند السريان، وهي الطريقة التي اتبعها النساطرة1.